مواقف ناصعة في القضاء الإسلامي
منصب القضاء في الإسلام من أعلى المراتب؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} [غافر: 20]. فكأن القاضي نائب عن الله في حكمه وفتواه، يقول الإمام الغزالي: "إنه أفضل من الجهاد؛ لأن طباع البشر مجبولة على التظالم، وقلّ من ينصف من نفسه، والإمام مشغول بما هو أهم منه، فوجب من يقوم به، فإن امتنع الصالحون له منه أثموا، وأجبر الإمام أحدهم".
ولقد جاءت دوحة الإسلام برجال وقضاة أفذاذ، قوّالين بالحق، أمّارين بالمعروف، لا يعصون الخالق في طاعة المخلوق، وهؤلاء هم الذين تحتاج الأمة إلى أمثالهم؛ إذ الأمة لا تحتاج إلى شيء من الأخلاق احتياجها إلى العدل والمساواة وعدم الإغضاء على تعدي حدود الله رهبةً من السلطان.. هؤلاء الذين تحيا بهم الأمم، وتشرق بهم الأيام، وتعلو بهم قداسة الحق، فتطيب بهم الأيام(5).
فمن مواقفهم الناصعة مع ذوي السلطان ما رُوي أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- افتقد درعًا له كانت أثيرة عنده، ثم ما لبث أن وجدها في يد رجل يهودي يبيعها في سوق الكوفة، فلما رآها عرفها، وقال: هذه درعي سقطت عن جمل لي في ليلة كذا وفي مكان كذا. فقال الذميّ: بل هذه درعي، وفي يدي يا أمير المؤمنين، وبيني وبينك قاضي المسلمين.
فقال علي: أنصفت! فهلم إليه. فلما صارا عند شريح القاضي في مجلس القضاء، قال شريح لعلي -رضي الله عنه-: لا ريب عندي في أنك صادق فيما تقوله يا أمير المؤمنين، ولكن لا بد لك من شاهدين. فقال عليّ: نعم مولاي قنبر وولدي الحسن يشهدان لي. فقال شريح: ولكن شهادة الابن لأبيه لا تجوز. فقال علي: يا سبحان الله! رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»(6). فقال شريح: بلى يا أمير المؤمنين، غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده.
عند ذلك التفت عليّ إلى الذمي، وقال: خذها، فليس عندي شاهد غيرهما. فقال الذمي: ولكني أشهد بأن الدرع درعك يا أمير المؤمنين. ثم أردف قائلاً: يا لله! أمير المؤمنين يقاضيني أمام قاضيه، وقاضيه يقضي لي عليه، أشهد أن الدين الذي يأمر بهذا لحقّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
قصة الإسلام
|